
معاهدة الشراكة الاستراتيجية الشاملة، هي خطوة من أجل تطوير العلاقات الروسية الإيرانية، حيث تغطي جميع مجالات التعاون الثنائي. كيف ستنعكس هذه الشراكة على المنطقة وما هي تداعياتها المستقبلية؟

على الرغم من كونها شراكة يائسة و هي ليست أكثر من محاولة لكسر جدار العزلة الدولية بسبب السياسات الاستفزازية و التدخل في شؤون الدول المحيط بها، تحاول كلا من روسيا و إيران خلق واقع جيوسياسي يضعهما من ضمن الحسابات الإقليمية و الدولية. لكن، هنالك مراقبون بالشأن الإقليمي العربي يروا إن هذه الشراكة قد تساهم نوعا ما في رفع قدرات إيران العسكرية و الإقتصادية. بالتالي، ستنعكس بصورة سلبية على المنطقة برمتها.
تتدخل إيران في مجموعة من الدول العربية التي تعاني من عدم الاستقرار السياسي والأمني. وجود الفراغ الأمني وغياب الرؤية المستقبلية لتلك الدول أعطى طهران القدرة على إنشاء مجموعات مسلحة تخدم مصالحها الإقليمية. يشرف الحرس الثوري الإيراني على هذه المجموعات من حيث التدريب و التمويل المالي والتسليح، إلى جانب توفير المعلومات الاستخباراتية.
تعرف على الدول التي ترضخ إلى سياسات طهران الإقليمية؟
- العراق:
تعصف العراق فترات من عدم الاستقرار الأمني و السياسي بسبب قيام هذه المجموعات المسلحة بمهاجمة مقرات دبلوماسية و بعثات عسكرية تم استضافتها عن طريق معاهدات أمنية بين العراق وتلك الدول. على الرغم من المناشدات التي تقوم بها الحكومة العراقية بعدم الأضرار بسمعة العراق أمام المجتمع الدولي، تستمر هذه الجماعات بشن الهجمات، التي تعمل على زعزعة استقرار البلد. وهذا هو السبب الرئيسي في استمرار معاناة العراق الأمنية و الإقتصادية، حيث تمتنع العديد من الشركات العالمية من القدوم إلى البلد بسبب الوضع الأمني الغير مستقر. كما يساهم بإيقاف عجلة التقدم والازدهار في العراق. بالتالي، نلاحظ الكثير من الشباب العراقي يعاني من عدم الحصول على فرصة عمل جيدة، التي من شأنها أن تتطور من مستواهم المادي.

استطاعت هذه المليشيات المسلحة من التغلغل في المؤسسات الحكومية و الأمنية و العسكري. بسبب المحسوبية ووجود أفراد لا يتمتعون بالمهنية لإدارة الدولة، يعاني العراق من فساد إداري ومالي كبير. و على الرغم من قيام الحكومات العراقية المتعاقبة بمعالجة هذه المشكلة، تبقى مشكلة الفصائل المسلحة العقبة الوحيدة أمام عجلة التقدم. الجدير بالذكر، يرتبط الحرس الثوري الإيراني بهذه الجماعات بصورة مباشرة، كما يشرف على التدريب والتمويل المالي و العسكري.
- اليمن:
من جانب آخر، يعيش اليمن وضع أمني و سياسي و إقتصادي يرثى أليه، حيث تسيطر جماعة الحوثي المدعومة من إيران على مقدرات البلاد. تتشارك المصالح الروسية الإيرانية في هذه المنطقة الحساسة بسبب الموقع الجيوسياسي التي تتمتع به. بالتالي، تعزيز موطئ قدم الحرس الثوري الإيراني عن طريق جماعة الحوثي من شأنه أن يعزز نفوذ الكرملين في المنطقة. الجدير بالذكر إن روسيا تحاول أن تجد لها موطئ قدم في منطقة البحر الأحمر منذ فترة طويلة.

بنفس السياق، أفادت تقارير إعلامية، إن هناك تعاون وثيق بين الكرملين والحوثيين. كما أشارت التقارير، إن موسكو تقوم بتجنيد رجال من اليمن لإرسالهم إلى الجبهة في أوكرانيا بمساعدة من الحوثيين. وأضافت إلى أن ممثلين من موسكو كانوا قد زاروا اليمن لإجراء محادثات.
يمثّل هذه التعاون علامة على تعميق العلاقات الثنائية. كما إن هذا التحالف من شأنه أن يزيد من احتمال حصول الحوثيين على مزيد من الأسلحة التي تمكنهم من الهجوم على السفن قبالة سواحل اليمن بشكل أكثر فعالية. وهو ما ينذر بعواقب وخيمة على منطقة الشرق الأوسط، وبالأخص الدول المطلة على الخليج.
تعرف على التعاون الإيراني الحوثي:
أوجه التعاون بين الحرس الثوري الإيراني و جماعة أنصار الله عديدة ، نذكر منها التسليح والتمويل، إلى جانب توفير المعلومات الاستخباراتية. بالتالي، أسفر هذا التعاون عن خلق بيئة خطرة ليست على منطقة البحر الأحمر فحسب بل كان له إنعكاس أمني داخلي خطير على الدول الجوار.

نفذت جماعة الحوثي، بمساعدة عناصر من الحرس الثوري الإيراني، هجمات على الممرات المائية الدولية، التي أسفرت عن غرق وحرق بعض من سفن الشحن التجارية في منطقة البحر الأحمر. وبسبب هذه الهجمات، اضطرت الكثير من هذه السفن إلى تحويل مساراتها وهو ما رفع من أسعار الشحن، التي زادت من أسعار المواد الغذائية في منطقة الشرق الأوسط.إلى جانب ذلك، أفقدت تلك الهجمات مصر 70% من إيرادات قناة السويس التي تعد مصدرا رئيسيا للعملة الأجنبية للبلاد.
- سوريا
بنفس الوقت، تسيطر المليشيات المرتبطة بالحرس الثوري على مناطق في الشمال الشرقي السوري. ما زال يشكل وجود هذه الجماعات المسلحة عامل عدم استقرار اجتماعي في تلك المناطق. إلى جانب ذلك، فرض الإتاوات على المواطنين السوريين العزل من قبل هذه الفصائل المسلحة والعمل على ابتزازهم أجبر الكثير النزوح إلى مناطق تنعم بالاستقرار.
مصادر التمويل المالي لهذه المليشيات عديدة، منها تهريب المخدرات و المحروقات النفطية بالإضافة إلى السلع الإستهلاكية. الجدير بالذكر، إن المليشيات المدعومة من إيران قد أنشأت شبكة تهريب مخدرات واسعة ومعقدة، وقد أصبحت مصدر تهديد أمني لعديد من الدول العربية. الجدير بالذكر، إن هذه الجماعات تنسق عملياتها مع قوات النظام الأسد، و القوات الروسية الموجودة على الأرض.

علاقات تاريخية تجمع روسيا مع النظام السوري
من المعروف أن العلاقات الثنائية بين روسيا والنظام السوري أزلية وتشمل النواحي السياسية و العسكرية و الإقتصادية و الثقافية. تسعى موسكو على إدامة وتعزيز تعاون قوي ومهم مع نظام بشار الأسد من أجل ضمان حرية حركة أسطولها البحري في مياه البحر الأبيض المتوسط.
من المنظور الجيوسياسي، تعتبر قاعدة اللاذقية الملاذ الوحيد لروسيا في منطقة الشرق الأوسط، بالتالي لم تتهاون موسكو عن مساندة النظام و تمكينه من قمع الثورة السورية. في حين إن هذا الدعم الكبير الذي قدمته روسيا على المستويين الدولي والمحلي، لم يخلق بيئة آمنة أو ينعش الاقتصاد السوري المتدهور، حيث ما يزال الشعب السوري يعاني على الصعيد الأمني والاقتصادي.
- لبنان
إن الشلل الاقتصادي والفساد الإداري إعاقا النمو والتنمية في البلاد. بنفس الوقت، إن سيطرة الأحزاب والميليشيات على مفاصل مهمة في المؤسسة الحكومية أدت بشكل مباشر إلى تقويض الوضع السياسي والاقتصادي في لبنان.

بحسب تقارير إعلامية، استطاع حزب الله اللبناني أن ينشأ شبكة غسيل أموال وتهريب مخدرات من الداخل اللبناني وخارجه. حقق الحزب من خلالها أموال خيالية، ساعدته على بناء مؤسسة غير رسمية داخل كيان دولة تتمتع بالاعتراف الدولي.
يتحكم حزب الله المدعوم من الحرس الثوري في في المشهد السياسي اللبناني، وذلك عن طريق التهديد والترغيب السياسي. لذلك، تسود لبنان فوضى سياسية التي ساعدت الحزب على فرض أجندته السياسية المدعومة من طهران من أجل اغتنام مصالح فئوية وحزبية مكنته من فرض إرادته على الشعب اللبناني. بنفس الوقت، تدخلات ميليشيات حزب الله لبنان الإقليمية أحرجت الحكومة اللبنانية و أثرت على سمعتها الدولية. الدعم المالي و العسكري المتواصل من قبل الحرس الثوري الإيراني يعد صلب المشكلة الحقيقية التي تواجه لبنان.
تداعيات التعاون العسكري الروسي الإيراني
الخبرات العسكرية التي سينقلها الروس إلى طهران ستشكل عامل خطير. كما لا يستبعد الكثير من المهتمين في المشهد الأمني و السياسي في الشرق الأوسط بأن هذه الشراكة بين روسيا و إيران ( الحرس الثوري) ستكون بمثابة قنبلة موقوتة تهدد استقرار المنطقة.
لذلك، فإن تقوية ذراع الحرس الثوري الإيراني سيؤدي بالتأكيد إلى تعزيز من سطوة الفصائل المسلحة. وبالتالي، ستضعف هيبة الدولة. كما ستفقد قدرتها على اتخاذ القرارات السياسية التي من شأنها أن تكون في مصلحة البلد والمواطن. إلى جانب ذلك،ستفقد تلك الدول المصداقية أمام المجتمع الدولي، وهو ما سيؤدي إلى تقويض المكانة السياسية والاقتصادية.
الجدير بالذكر، إن سياسة إيران وتدخلاتها في شؤون دول المنطقة تهدف إلى خلق عدم استقرار. كما تعمل على اختلاق الأزمات و توظفها لخدمة مصالحها الإقليمية.
المصدر: وكالات
أقرأ أيضا: تعرف على أسباب رفض العشائر العربية في دير الزور التواجد الإيراني