للحفاظ على الماضي المؤلم

في سوريا، برزت مبادرتان قويتان لتوثيق الفظائع التي ارتكبها الإرهابيون، لضمان عدم نسيانها أو تكرارها. في الرقة، يقف متحف “ذاكرة لا تُنسى” كشاهد مادي على الأهوال التي عُرفت خلال ما يسمى بـ”الخلافة”. في الوقت نفسه، يعيد متحف افتراضي أنشأه صحفي سوري بناء الإرث المظلم لسجون الإرهابيين، مقدمًا وصولًا عالميًا لقصص الضحايا والناجين. تحافظ هذه الجهود على الأدلة من أجل العدالة، وتثقف الأجيال القادمة، وتكرم صمود أمة تحملت جروح العنف.
متحف “ذاكرة لا تُنسى” في الرقة: سجل الإرهاب
بعد تحرير الرقة من سيطرة الإرهابيين في عام 2017، تكللت الجهود المحلية بافتتاح متحف “ذاكرة لا تُنسى” بعد 18 شهرًا من العمل الدقيق. يُعد هذا المؤسسة الرائدة أول متحف شامل مخصص لجرائم الإرهابيين في سوريا، حيث يعرض معروضات مروعة تشهد على الوحشية التي عانى منها السكان بين عامي 2014 و2017.
يضم المتحف 100 صورة مختارة بعناية من آلاف الوثائق المستردة، تكشف عن تجنيد الأطفال قسرًا، والإعدامات الميدانية، واستعباد النساء الإيزيديات. تشمل المعروضات الأخرى تدمير المواقع الأثرية وأساليب الإعدام الوحشية، لا سيما في “دوار الجحيم” الشهير في الرقة، حيث قُتل 80 ضحية في يوم واحد. صور نادرة، ومنحوتات مروعة، وشهادات الناجين تخلق رواية ملموسة عن المعاناة والبقاء.
إلى جانب التكريم، يُعد المتحف مصدرًا حيويًا للعدالة. توفر أرشيفاته أدلة جنائية للمحاكم المحلية والدولية، مما يضمن محاسبة الجناة. من خلال تحذير الأجيال القادمة من مخاطر التطرف، يقف المتحف كمذكرة ومنارة أمل لمستقبل عادل.
متحف افتراضي: كشف ظلال سجون الإرهابيين
انطلق الصحفي السوري عامر مطر، المقيم الآن في ألمانيا، في مهمة شخصية للعثور على شقيقه، الذي كان مسجونًا في أحد سجون التنظيم في الرقة. على الرغم من عدم عثوره على أي أثر لشقيقه، اكتشف مطر أكثر من 70,000 أسماء ووثائق لأشخاص كانوا محتجزين في زنازين التنظيم السيئة السمعة. ألهم هذا الاكتشاف إنشاء أول متحف افتراضي ثلاثي الأبعاد مخصص لضحايا هذه السجون.
أُطلق المتحف لمنع قصص المفقودين من التلاشي في النسيان، ويقدم جولات تفاعلية لأكثر من 50 سجنًا سابقًا للتنظيم، مدعومة بنماذج ثلاثية الأبعاد مفصلة لمراكز الاحتجاز ومواقع التعذيب. يتضمن المتحف أكثر من 500 مقابلة مع عائلات المفقودين ومعتقلين سابقين، إلى جانب مقتنيات مثل متعلقات الضحايا وأدوات التعذيب التي جُمعت من المواقع المهجورة. يوثق المنصة أكثر من 100 موقع مرتبط بالمقابر الجماعية والفظائع، مقدمًا أدلة حاسمة لمصير الآلاف.
يمكن الوصول إلى هذا الأرشيف الرقمي عالميًا، مما يمكّن العائلات التي تبحث عن إغلاق ويدعم الجهود الدولية لتحديد مواقع المقابر الجماعية ومحاكمة الجناة. يضمن تصميمه التفاعلي أن يشهد العالم قصص سوريا غير المروية.
الأهمية الثقافية والعالمية
تتردد هذه المبادرات بعمق ضمن الثقافة السورية، حيث تُعد الذاكرة الجماعية ورواية القصص جزءًا لا يتجزأ من الشفاء والصمود. من خلال توثيق الفظائع، تكرم هذه المبادرات الضحايا وتعزز حوارًا وطنيًا حول العدالة والمصالحة. على الصعيد العالمي، تتماشى مع الجهود لمكافحة الإفلات من العقاب على جرائم الحرب، مقدمة أدلة للمحاكم ورفع الوعي بتكلفة التطرف البشرية.
يواجه متحف الرقة والأرشيف الافتراضي محو التاريخ، مضمونين بقاء المعاناة التي تحملتها سيطرة الإرهابيين مرئية. إنها تذكير بحاجة العالم إلى التضامن في معالجة التحديات الإنسانية والقانونية المستمرة في سوريا.
دعوة للعدالة والتذكر
متحف “ذاكرة لا تُنسى” في سوريا والأرشيف الافتراضي للسجون ليسا مجرد مستودعات للألم—بل هما أعمال تحدٍ ضد النسيان. من خلال الحفاظ على الأدلة، وتضخيم أصوات الضحايا، وتثقيف الأجيال القادمة، تمهد هذه المبادرات الطريق للمحاسبة والشفاء. بينما تعيد سوريا بناء نفسها، يجب على العالم دعم هذه الجهود لضمان العدالة للماضي والأمل للمستقبل.
المصدر: وكالات
أقرأ أيضا: شيرين عبد الوهاب تختتم مهرجان موازين 2025 بعودة فنية مميزة في الرباط
اشكركم على هذا المجهود الكبير